إذا انحلّ الصيد.. ضاعت المنطقة: الصيد التقليدي في القصر الصغير في خطر

في مضيق جبل طارق، حيث يلتقي البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، لا يُعتبر الصيد مجرد مهنة، بل هو حياة متجذّرة في الذاكرة والهوية، وسندٌ اجتماعي واقتصادي لمئات الأسر التي تعيش على ضفاف هذا المضيق منذ قرون.
لكن اليوم، يبدو أن خيوط هذه الحرفة العريقة بدأت تتفكك تحت ضغط المشاريع الكبرى والمصالح الاقتصادية التي لا ترى في البحر سوى رصيفٍ للاستثمار.

يُحكى أنه في بداية أشغال الميناء المتوسطي، وعندما أُثير موضوع الصيد التقليدي ومستقبل بحّارة واد الرمل والحومة، كان التوجّه الغالب حينها هو شراء مراكب الصيد التقليدي من أصحابها بمبالغ مالية مغرية، ثم تكسيرها والتخلّص منها إلى الأبد.
كان الهدف المعلن هو “تنظيم” القطاع، لكن الحقيقة كانت طمس معالم موروثٍ بحريٍّ أصيل ودفن حرفةٍ هي شريان حياةٍ لمجتمعاتٍ بأكملها.

لحسن الحظ، تدخّلت السلطات العليا في الوقت المناسب، فكان القرار ببناء ميناء الصيد بالدالية، الذي أنقذ المهنة وحافظ على جزء من الذاكرة الجماعية للمنطقة. غير أن التاريخ يبدو وكأنه يعيد نفسه — ولكن هذه المرة في القصر الصغير.

اليوم، يعيش بحّارة القصر الصغير على وقع التضييق والضغط غير المبرّر. تُحجز أوراقهم، وتُقطر مراكبهم، فقط لأنهم يصطادون في مصايدٍ ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السنين.
يتعامل البعض مع هؤلاء البحّارة وكأنهم متطفلون على البحر، بينما الحقيقة أنهم أصحاب الأرض والماء والتاريخ.
والأدهى أن نفس الأصوات التي ارتفعت سابقاً تُعيد الآن نفس الخطاب:

“اشتروا المراكب من أصحابها… ودعوهم يذهبون إلى الجحيم!”

لكن الجحيم الحقيقي هو أن تُمحى هوية منطقة بأكملها باسم التنمية، وأن يُقتل الصيد التقليدي باسم “الحداثة الاقتصادية”.

شاهد أيضاً

طرفاية.. بحارة يحتفلون من فوق القوارب بذكرى المسيرة الخضراء في مشهد وطني مهيب

في أجواء يغمرها الاعتزاز والانتماء، شهد ميناء طرفاية صباح الخميس احتفالات مميزة بذكرى المسيرة الخضراء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *