البحر 24 نافذتكم على عالم البحر وشؤونه
مع حلول كل صيف، يعود الحديث بقوة عن جودة مياه الاستحمام على طول السواحل المغربية، وخصوصًا في المدن الشاطئية الكبرى التي تشهد توافدًا جماهيريًا واسعًا. لكن خلف هذه الأرقام التي تُعلن عنها المؤسسات الرسمية، تقف جهود علمية دقيقة تُبذل سنويًا للكشف عن الحالة البيئية للمياه البحرية، في إطار برامج وطنية للمراقبة والوقاية.
تقوم وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بشراكة مع عدد من المؤسسات المختصة مثل الوكالة الوطنية للموانئ والمديرية العامة للجماعات الترابية، بإجراء تحاليل دورية على مدار السنة، تشمل عينات من المياه المخصصة للاستحمام ومواقع قريبة من المصبات الصناعية والوديان. تهدف هذه التحاليل إلى قياس مستويات البكتيريا الملوثة، مثل الإشريكية القولونية والمعويات البرازية، إضافة إلى مؤشرات أخرى مثل تركيز المواد العضوية، نسبة الملوحة، والشفافية.
كشفت تقارير السنوات الأخيرة أن نسبة مطابقة مياه الاستحمام لمعايير الجودة ارتفعت إلى حوالي 93 في المائة سنة 2024، مقابل 88 في المائة فقط سنة 2021. وهي قفزة تُحسب لجهود التوعية وحملات التنظيف ومشاريع التطهير السائل. غير أن هذا لا يخفي استمرار وجود عدد من الشواطئ ضمن قائمة المناطق غير الصالحة للسباحة، بفعل التلوث الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة، أو التسربات الصناعية، خاصة في المناطق القريبة من المدن الكبرى أو الأحياء العشوائية.
من بين ما تكشفه التحاليل السنوية أيضًا، ارتفاع تركيز النفايات البلاستيكية الدقيقة، وهي جزيئات لا ترى بالعين المجردة لكنها تحمل أخطارًا على الكائنات البحرية وسلسلة الغذاء البشري. كما ترصد بعض الدراسات وجود بقايا مبيدات زراعية وأدوية بشرية ضمن المياه الساحلية، نتيجة الجريان السطحي نحو البحر.
رغم أهمية هذه التحاليل في توجيه السياسات البيئية، إلا أن الخبراء يشددون على ضرورة نشر النتائج بشكل مبسط ومتاح للعموم، حتى يتحول المواطن إلى فاعل في حماية الشواطئ. كما يوصى بإحداث نظام إنذار مبكر لتنبيه المصطافين في حالة تدهور مفاجئ لجودة المياه.
تؤكد هذه التحاليل السنوية أن الحفاظ على نظافة المياه البحرية لا يتوقف فقط على السلطات، بل يشمل أيضًا السلوكيات الفردية والجماعية، من احترام الفضاءات الطبيعية، إلى المساهمة في التوعية وتبني سلوك بيئي مسؤول.
