يُشكل الصيد البحري واحدًا من الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي، حيث يساهم في خلق فرص العمل، ودعم الأمن الغذائي، وتعزيز الصادرات نحو الأسواق الدولية. لكن مع التحولات العالمية المتسارعة، بات القطاع أمام مفترق طرق بين الاستدامة واستغلال الإمكانيات المتاحة.
في هذا السياق، يبرز مفهوم الاقتصاد الأزرق كمنظور جديد يراهن عليه المغرب لتعزيز استفادته من ثرواته البحرية، غير أن تحقيق هذا الطموح يصطدم بتحديات تنظيمية وبيئية تستدعي حلولًا مبتكرة وسياسات أكثر صرامة.
المغرب، بفضل سواحله الممتدة على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يمتلك واحدًا من أغنى المصايد البحرية في العالم، ما يمنحه فرصة استثنائية لتعزيز مكانته كقوة بحرية واقتصادية.
الصادرات السمكية تشكل مصدر دخل هامًا، حيث يستفيد المغرب من الطلب المتزايد على المنتجات البحرية عالية الجودة، خاصة في الأسواق الأوروبية والآسيوية. غير أن هذا الزخم الاقتصادي يواجه معضلات عدة، أبرزها الصيد الجائر، وتغير المناخ، وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يجعل الاستفادة المستدامة من الموارد البحرية ضرورة ملحة وليس مجرد خيار.
في ظل هذه التحديات، يبرز الاقتصاد الأزرق كبديل استراتيجي يهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على الموارد البحرية. فاعتماد تقنيات صيد صديقة للبيئة، وتعزيز المراقبة عبر الذكاء الاصطناعي، وتشجيع تربية الأحياء المائية، هي حلول يمكن أن تقلل الضغط على المخزون السمكي، وتضمن استدامة القطاع. كما أن استثمار الدولة في البحث العلمي والتكوين المهني البحري قد يسهم في تأهيل جيل جديد من الصيادين والفاعلين في المجال ليكونوا أكثر وعيًا بضرورة الحفاظ على الثروة البحرية للأجيال القادمة.
على المستوى التشريعي، يتطلب تطوير الاقتصاد الأزرق وضع سياسات واضحة تحفز الابتكار والاستثمار في القطاع البحري، مع تعزيز الرقابة الصارمة للحد من الأنشطة غير القانونية التي تهدد المنظومة البيئية والاقتصادية على حد سواء. كما أن إشراك الصيادين في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة المصايد قد يسهم في تحسين الالتزام بالقوانين وتخفيف التوتر بين المهنيين والإدارات المشرفة.
ورغم كل التحديات، فإن المغرب لديه كل المقومات ليكون نموذجًا في تطوير اقتصاد أزرق مستدام، لكن ذلك لن يتحقق دون إرادة سياسية قوية، ودعم للبحث العلمي، ووعي مجتمعي بقيمة هذه الثروة البحرية. الرهان اليوم ليس فقط على الصيد البحري كقطاع اقتصادي، بل على رؤية متكاملة تجعل من البحر مصدرًا دائمًا للرخاء، بدل أن يكون موردًا مهددًا بالنضوب.
خاص- البحر24