
تتواصل أزمة “علب السردين المغربي” التي أربكت السوق الفرنسي منذ أسابيع، مع تفاقم مؤشرات الندرة وارتفاع أسعار هذا المنتوج الشعبي في المتاجر الفرنسية، في ظلّ معطيات جديدة تؤكد أن حجم الصيد في المياه المغربية تراجع بنحو 40 في المئة خلال العامين الأخيرين، نتيجة ارتفاع حرارة الأطلسي وهجرة أسراب السردين إلى أعماق أبعد.
ووفق ما أوردته وسائل إعلام فرنسية جديدة من بينها لو جورنال دو ديمانش وفرانس إنفو، فإن الأزمة التي بدأت منتصف الصيف لم تعرف بعد طريقها إلى الانفراج، إذ تتحدث شركات التعليب الفرنسية عن “مخزون في طريقه إلى النفاد”، فيما حذر اتحاد مصنّعي معلبات السمك من احتمال تضاعف أسعار السردين في حال استمرت الظروف المناخية الحالية وتواصل شحّ التزود من المغرب.
مصادر مهنية فرنسية نقلت أكدت أن “أكثر من 70 في المئة من السردين الذي تستهلكه فرنسا مصدره المياه المغربية قبل أن يُنقل إلى مصانع بريتاني لتعليبه”، لكن هذه السواحل تشهد حالياً اضطرابات بيئية قاسية أثرت على دورة التكاثر الطبيعية للسمك، إذ أدى ارتفاع حرارة المياه إلى تراجع إنتاج العوالق البحرية التي تشكل الغذاء الأساسي للسردين، ما أجبر الأسراب على الهجرة نحو مناطق أعمق يصعب الوصول إليها.
ووفق تقديرات جديدة، فإن مجموع كميات السردين التي صدّرها المغرب نحو فرنسا تراجع من نحو 12 ألف طن سنة 2022 إلى أقل من 7 آلاف طن في النصف الأول من 2025، وهو ما انعكس مباشرة على رفوف المتاجر التي لم تعد تتوفر فيها “بواط السردين” الاقتصادية التي لا يتجاوز سعرها يورو واحد، لتتحول إلى سلعة نادرة في بعض المناطق الفرنسية.
وبينما يسود استياء واسع في أوساط المستهلكين الفرنسيين، تحاول مصانع التعليب في بريتاني البحث عن بدائل عبر استيراد سردين من أميركا الجنوبية، غير أن خبراء التغذية يؤكدون أن تلك الأصناف “أقل جودة وطعماً” مقارنة بالسردين المغربي المعروف بتركيبته الغنية بالأوميغا 3.
وفي المقابل، ترى المصادر أن الأزمة الراهنة كشفت هشاشة النموذج الأوروبي في الاعتماد المفرط على الصيد المغربي، دون الاستثمار في شراكات بيئية وتنموية طويلة الأمد. فالمغرب، رغم كونه أول مصدر للسردين في العالم، يعاني بدوره من ضغط بيئي متزايد، ومن حاجة ماسة إلى تنظيم أكثر صرامة لمواسم الصيد للحفاظ على استدامة الثروة البحرية.
ويرى خبراء من المعهد الفرنسي لبحوث استغلال البحر أن المخرج الحقيقي للأزمة يكمن في “تنسيق مغربي–فرنسي مشترك” يوازن بين متطلبات السوق وحماية النظام البيئي الأطلسي. بينما تتحدث مصادر داخل قطاع الصيد المغربي عن اتصالات جديدة بين الرباط وباريس لإعادة ضبط حصص التصدير وضمان استقرار السوق الأوروبية خلال الأشهر المقبلة.
عن نيشان
البحر 24 نافذتكم على عالم البحر وشؤونه