يشكل قطاع الصيد البحري أحد الأعمدة الاقتصادية الحيوية للمدن الساحلية، إذ يعتمد على أسطول مراكب مجهزة ومهنيين قادرين على مواجهة تحديات البحر. ومع ارتفاع تكاليف اقتناء وصيانة المراكب والمعدات، يلعب التمويل البحري دوراً أساسياً في تمكين الصيادين من الاستثمار والحفاظ على استمرارية نشاطهم. توفر البنوك قروضاً ميسرة، بينما تتيح شركات التأمين البحري حماية ضد المخاطر المحتملة مثل غرق المراكب، فقدان معدات الصيد، أو الأضرار الناتجة عن الأحوال الجوية القاسية.
من الناحية الاقتصادية، يضمن التمويل والتأمين البحري استقرار النشاط، ويشجع المهنيين على تطوير أسطولهم وتحسين جودة المنتوجات البحرية، بما يسهم في زيادة العائدات وتصدير الأسماك إلى الأسواق الوطنية والدولية. كما أن التأمين يحمي الاستثمارات الشخصية ويقلل من المخاطر المالية التي قد تهدد أصحاب المراكب، خصوصاً في حال وقوع حوادث بحرية أو سرقات أو تهريب.
لكن هذا الدور الحيوي لا يخلو من آثار جانبية محتملة على الثروة السمكية والبيئة البحرية. فسهولة الحصول على التمويل قد تشجع بعض الصيادين على زيادة وتيرة الصيد أو استخدام معدات أكثر قوة وكفاءة، ما يؤدي أحياناً إلى استنزاف المخزون السمكي بشكل أسرع من قدرة الطبيعة على التعويض. كذلك، يغطي التأمين خسائر المراكب والمعدات، لكنه لا يحمي البحار أو البيئة البحرية من الإفراط في الصيد أو الممارسات غير المستدامة. هذا التوازن بين الحماية المالية والنشاط المستدام يمثل تحدياً رئيسياً أمام السلطات والمهن البحرية على حد سواء.
لذلك، يرى خبراء أن التمويل والتأمين البحري يجب أن يقترن بإجراءات صارمة لمراقبة استغلال الثروة السمكية، مثل تحديد حصص الصيد، فرض مواسم الإغلاق، وتعزيز الرقابة على استخدام معدات الصيد. فقط من خلال هذا التوازن يمكن ضمان استمرارية الاستثمار البحري، وحماية الموارد الطبيعية التي تشكل الأساس الاقتصادي والاجتماعي للقطاع.
في النهاية، التمويل والتأمين البحري يشكلان دعامة حيوية لاستدامة نشاط الصيد، لكنهما يتطلبان سياسات واضحة ومراقبة مستمرة لضمان أن حماية الاستثمارات لا تتحول إلى تهديد للثروة البحرية والبيئة الساحلية.