
في خطوة استراتيجية ترسّخ تموقع المغرب كقوة إقليمية صاعدة، أطلق الملك محمد السادس المبادرة الأطلسية لربط بلدان الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي، وذلك في خطابٍ ملكي تاريخي بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء. هذه المبادرة تُمثل تحوّلًا جيواقتصاديًا عميقًا يعيد رسم خارطة العلاقات المغربية الإفريقية، ويُعزّز ريادة المملكة كفاعل محوري في الجنوب العالمي.
تعكس المبادرة الأطلسية رؤية ملكية تقوم على منطق “رابح-رابح”، إذ تهدف إلى منح الدول الإفريقية غير المطلة على السواحل منافذ استراتيجية نحو المحيط الأطلسي، بما يضمن انفتاحًا اقتصاديًا وتجاريًا واسعًا. وقد أكد الملك في خطابه أن هذا المشروع “لا ينبغي أن يكون مجرد شعار أو هدف بعيد المنال، بل ورشًا ملموسًا يخدم مصالح شعوب المنطقة ويجسد التضامن الإفريقي”.
وتنص المبادرة على إنشاء وتحديث شبكات النقل واللوجستيك بين بلدان الساحل وواجهة الأطلسي، مع تأهيل موانئ مغربية وإفريقية لتصبح منصات لوجستيكية فعالة. كما تفتح الباب أمام ربط الطاقات الكهربائية والرقمية والموارد الطبيعية، مما يُمهّد لاندماج اقتصادي حقيقي يُعزز مناعة القارة في وجه الأزمات العالمية.
في تمازجٍ بين الأبعاد الطاقية والجيواستراتيجية، تندمج هذه المبادرة مع مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي سيوفّر للبلدان الإفريقية طاقة نظيفة ومستدامة، ويساهم في تحقيق الأمن الطاقي. ويُعدّ هذا الأنبوب بدوره تجسيدًا عمليًا لفلسفة المبادرة الأطلسية، باعتباره جسرًا طاقيًا وتنمويًا بين غرب إفريقيا وأوروبا.
في سياق التنافس الجيوسياسي على القارة الإفريقية، تقدم المبادرة الأطلسية طرحًا مغربيًا مغايرًا قائمًا على التعاون الفعّال بدل الإملاءات أو المصالح الضيقة. وبذلك، يعزز المغرب مكانته كشريك موثوق في جهود التنمية، ويؤكد التزامه بربح رهان الجنوب-الجنوب.
كما أن هذه المبادرة تأتي لتكريس موقع المغرب كجسر حضاري واقتصادي بين إفريقيا وأوروبا، وتؤكد الطابع المتعدّد الأبعاد للسياسة الخارجية المغربية التي تجمع بين البعد الإفريقي، والأطلسي، والأورومتوسطي.
في المحصلة، لا تنفصل المبادرة الأطلسية عن مسار متصاعد للسياسة الإفريقية للمملكة، التي رسم ملامحها الملك محمد السادس منذ بداية حكمه. فالمبادرة ليست فقط مشروعًا للبنية التحتية، بل هي تصور شامل لتكامل إقليمي، قائم على الثقة والاحترام والمصالح المتبادلة.
وإذا كانت الدول تسعى اليوم إلى بناء نفوذها من خلال مشاريع استراتيجية ذات طابع إقليمي وعابر للحدود، فإن المغرب، من خلال هذه المبادرة، يخطو بثقة نحو صناعة مستقبله الإفريقي، ويضع نفسه في موقع الريادة ضمن معادلة التنمية والاستقرار في غرب القارة.
البحر24- خاص