
في خطوة تُوصف بالهيكلية، فازت مجموعة “TGCC” بصفقة تشييد المقر الجديد للوكالة الوطنية للموانئ داخل ميناء الدار البيضاء، بقيمة إجمالية فاقت 228 مليون درهم. غير أن وراء هذا الرقم الثقيل، تختبئ دلالات أعمق من مجرد ورش عمراني جديد، لتطرح تساؤلات جوهرية حول مركزية القرار في المنظومة المينائية، وآفاق تجديد حكامة هذا القطاع الحيوي.
الوكالة، التي تعتبر بمثابة قلب النبض البحري الوطني، ستنتقل قريبًا إلى فضاء هندسي حديث قد يشكل أكثر من مجرد انتقال جغرافي. فبناء هذا الصرح داخل ميناء الدار البيضاء – الأكبر والأكثر نشاطًا في المملكة – يعكس رغبة في تعزيز الارتباط العضوي بين القيادة والإنتاج، بين التخطيط والميدان، وبين التوجيه المركزي والعمل الميداني.
لكن هذا التحول، ورغم كلفته الباهظة، يطرح أسئلة مقلقة: هل سيرافق هذا الاستثمار المادي تحديث حقيقي لآليات الاشتغال والتواصل مع باقي الموانئ المغربية؟ وهل سيكون المقر الجديد مركزًا للإنصات والإشراف اللامركزي، أم مجرد بناية شاهقة تخفي وراءها استمرار البيروقراطية؟
في كواليس القطاع، يتساءل بعض المتابعين عن الجدوى المستقبلية لهذه الخطوة، في ظل الدعوات المتزايدة لإعادة توزيع الصلاحيات وتعزيز استقلالية الموانئ الجهوية. فهل يعزز هذا الورش من مركزية القرار في العاصمة الاقتصادية، أم يمهّد لعصر جديد من الانفتاح على الرقمنة والشفافية والمساءلة؟
في النهاية، ليست قيمة الصفقة وحدها ما يثير الاهتمام، بل ما إذا كانت البناية ستتحول إلى بوصلة استراتيجية ترشد مسار القطاع البحري نحو كفاءة أعلى وحكامة أكثر عدالة وشمولية.