راحة البحر تعني وفرة السردين: هكذا تعيد الفترات البيولوجية التوازن البيئي

يعتبر السردين واحدًا من أكثر الموارد البحرية استهلاكًا في المغرب، حيث يشكل دعامة أساسية للاقتصاد الأزرق ومصدرًا مهمًا للبروتين البحري لملايين المواطنين.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا مقلقًا في مخزون السردين، ما أدى إلى تقلبات حادة في الأسعار، أثرت بشكل مباشر على المستهلكين والمهنيين في قطاع الصيد البحري. وأمام هذا الوضع، يبرز إقرار الراحة البيولوجية كحل علمي وعملي لإعادة التوازن إلى هذا المورد الحيوي.

الراحة البيولوجية ليست مجرد قرار تنظيمي، بل هي استجابة ضرورية لدورة حياة السردين.

فمع استغلاله المفرط والتغيرات البيئية المتسارعة، تضاءلت أعداد هذا النوع السمكي بشكل واضح، ما تسبب في اختلال التوازن الطبيعي داخل المنظومة البحرية. وعندما يُمنح السردين فترة راحة تمتد لعدة أشهر، فإنه يتمكن من التكاثر والنمو بعيدًا عن ضغوط الصيد، مما يتيح للمخزون فرصة التعافي.

وبمجرد انتهاء هذه الفترة، يعود السردين إلى مستوياته الطبيعية في البحر، مما ينعكس إيجابيًا على العرض في الأسواق، وبالتالي يعود سعره إلى مستواه المعتاد، بعيدًا عن المضاربات التي يفرضها ندرة المنتوج.

من بين العوامل التي ساهمت في تراجع السردين، تلعب التغيرات المناخية دورًا رئيسيًا، إذ تؤثر ظواهر مثل الجفاف وارتفاع حرارة المياه على توفر العوالق التي يتغذى عليها السردين، مما يؤدي إلى انخفاض أعداده. كما أن تلوث البحار والأنشطة البشرية غير المستدامة تزيد من تفاقم المشكلة، مما يجعل الحاجة إلى اتخاذ إجراءات وقائية أكثر إلحاحًا.

وعلى الرغم من أن بعض الأصوات قد تعترض على الراحة البيولوجية بدعوى تأثيرها المؤقت على نشاط الصيد، إلا أن النظرة بعيدة المدى تؤكد أنها ضرورة لا غنى عنها.

فالتجارب الدولية أثبتت أن تنظيم فترات الصيد يحمي الموارد السمكية من الانقراض، ويضمن استدامة النشاط الاقتصادي للصيادين على المدى البعيد. والأهم من ذلك، أنها تضمن استقرار الأسعار، ما يعود بالفائدة على المستهلك النهائي الذي يعاني من التقلبات الحادة في السوق.

إن التزام الجميع—من مهنيين وسلطات ومستهلكين—بمبدأ الراحة البيولوجية، يعني الحفاظ على مورد وطني استراتيجي، وضمان ديمومته للأجيال القادمة. فحين نمنح السردين فترة استراحة، فإننا في الواقع نمنح البحر فرصة لاستعادة عافيته، ونؤسس لنموذج أكثر استدامة للصيد البحري، يحفظ حقوق البحارة المهنيين والمستهلكين على حد سواء.

خاص- البحر24

شاهد أيضاً

اجتماع مرتقب لدراسة تصنيف مصايد البرير الصغير في تارغة

  في خطوة مهمة لدعم قطاع الصيد التقليدي في منطقة تارغة، من المتوقع أن يُعقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *