البحر 24 نافذتكم على عالم البحر وشؤونه
تُعتبر عقول الأسماك أحد أسرار الطبيعة التي لطالما أثارت اهتمام العلماء والصيادين على حد سواء، حيث تمتلك العديد من الأنواع البحرية ذكاءً فطرياً يساعدها على التهرب من شباك الصيادين والبقاء على قيد الحياة في بيئة مليئة بالمخاطر. على الرغم من أن الأسماك تُعد في الغالب كائنات بسيطة، إلا أن الدراسات العلمية تكشف عن أنماط سلوك متقدمة وقدرات فريدة تجعلها قادرة على مواجهة التحديات اليومية.
تعتمد الأسماك على حواس دقيقة لاستشعار محيطها، إذ تمتلك نظاماً عصبياً متطوراً يسمح لها بالتقاط أصغر التغيرات في الماء، مثل الحركة أو الاهتزازات.
هذا النظام الحسي، المعروف باسم الخط الجانبي، يمكّنها من التعرف على وجود شباك الصيد أو الكائنات المفترسة قبل وقوعها في الخطر. كما أن بعض الأنواع تُظهر قدرة استثنائية على التعلم من التجارب السابقة، حيث تتجنب مواقع الصيد التي تعرضت فيها للخطر في الماضي.
واحدة من أبرز مظاهر ذكاء الأسماك هي استراتيجيات الهروب الجماعي. عند مواجهة خطر، تتجمع بعض الأنواع في أسراب كبيرة تتحرك بانسجام مذهل لتشتيت انتباه المفترسين أو الصيادين.
هذا السلوك الجماعي ليس عشوائياً، بل يتم وفق تنسيق دقيق يستند إلى الإشارات البصرية والكيميائية.
تُظهر بعض الأنواع أيضاً قدرة على استخدام الأدوات في بيئتها، مثل أسماك النهاش التي تُلقي المحار على الصخور لكسره والوصول إلى الطعام. كما أن أسماكاً مثل الأخطبوط تُعرف بقدرتها على التمويه وتغيير لونها أو شكلها للاندماج مع البيئة المحيطة، وهو أسلوب فعال للهروب من الشباك أو الصيادين.
الدراسات الحديثة تشير إلى أن صيد الأسماك الجائر يدفع بعض الأنواع إلى تطوير سلوكيات أكثر حذراً وابتكاراً. على سبيل المثال، لوحظ أن بعض الأسماك تتجنب الطعوم التي تحمل روائح معينة بعد أن ارتبطت هذه الروائح سابقاً بتجارب صيد خطرة.
في مواجهة هذه التحديات، أصبح الصيادون يعتمدون على تقنيات حديثة، مثل السونار وشبكات الذكاء الاصطناعي، لتعقب الأسماك. لكن في المقابل، تستمر الأسماك في تطوير طرق جديدة للتكيف مع هذه التهديدات، مما يبرز قدرتها على البقاء في بيئات متغيرة وصعبة.
تلك القدرات العقلية المدهشة للأسماك ليست مجرد وسيلة للبقاء، بل هي تذكير بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي في البحار والمحيطات، حيث يظل هذا العالم الغامض مليئاً بالاكتشافات التي لم تُكشف بعد.
البحر24- خاص
