تاريخ.. حين تسرب الطاعون إلى المغرب عبر  سفينة حاملة لجرثومة بميناء طنجة 

اذا كان العالم اليوم مفزوع، من انتشار وباء “كورونا”، فإنه بالعودة إلى بعض المصادر التاريخية، فإن المغرب لم يكن بمنأى عن مثل هذه الأوبئة، حيث شهد المغرب حسب بعض المصادر التاريخية تفشى الطاعون لمدة سنتين، وكان يختفي بعدها عشر إلى خمس عشرة سنة ليعود للظهور، وهذا يدل على أن المغرب شهد توالي موجات الطاعون.

فكان أن اجتاح البلاد عن طريق ميناء طنجة هذه المرة، إذ تتحدث المصادر عن سفينة رست بميناء طنجة، وعلى متنها أميران قدما من مكة، سمحت لهما سلطات الحجر الصحي بدخول المغرب لمكانتهما، في الوقت الذي كانت سفينتهما حاملة للجرثومة الأولى لوباء الطاعون، وكان الخدم أول من أصيب به فماتوا فورا، لينتشر بعدها الوباء في شمال المغرب، وعرف حينها بطاعون طنجة وقد اختفى سنة1820.

لكن أحلك فترة سيعاني فيها المغاربة من الداء الأسود، كانت في الفترة ما بين 1799و 1801، إذ تتحدث مصادر تاريخية على لسان المؤرخ عبد السلام بن سليمان الفشتالي عن سقوط 2500 ميت يوميا، وفقدت مدن نصف سكانها أو أكثر، ففي فاس ذكر أحد أفراد السفارة البريطانية، أن أثمنة المواد الغذائية ارتفعت بشكل مهول، نظرا لوفاة التجار والحرفيين، ويشير الدبلوماسي الإنجليزي إلى حادثة طريفة، إذ أراد المولى سليمان سلطان المملكة الشريفة آنذاك تسليمه رسالة إلى ملك بريطانيا فلم يجد من يزخرفها.

المولى سليمان ستنطبق على عصره مقولة “رب ضارة نافعة”، إذ سيأتي الطاعون الكبير على ألد خصومه، وهما أخواه مولاي هشام ومولاي الحسين، اللذين نازعاه الحكم بمراكش، ثم القياد بناصر والهاشمي بن العروسي وآخرين، كما أنه أضعف القبائل المتمردة، وعلق القنصل البريطاني في سنة 1801 ” إن المولى سليمان متمكن من البلاد والخسائر البشرية التي ألحقها الطاعون بالساحل تجعل كل تمرد على سلطته أمرا مستحيلا”.

تقول بعض المصادر التاريخية أن الطاعون أيضا ساهم في إيجاد الكثير من الحلول للمشاكل المالية التي عرفها عهد المولى سليمان، فأملاك المنقطعين (الأشخاص الذين يموتون وليس لهم ورثة)، أصبحت بحكم الشريعة ملكا لبيت مال المسلمين، إذ ذكر الزياني أنه في جهة سوس وحدها لم يستطع جباة المخزن جمع أموال المنقطعين، وهو ما أورده المؤرخ محمد المنصور في بحث حول المولى سليمان نشر بموسوعة التراث المغربي.

أما التأثيرات السلبية للطاعون، فكان أهمها وفاة أخ السلطان مولاي الطيب ووزيره محمد بن عثمان المكناسي، والكثير من الرجال الذين تكونوا على عهد مولاي محمد بن عبد الله، وترتبت على ذلك صعوبة كبيرة في تعامل القناصل والسفراء مع المملكة الشريفة الخارجة لتوها من وباء فتاك. ظل هذا المرض يزور المغرب ويغادره بين فينة وأخرى، إلى أن اختفى نهائيا أو عوضته أمراض أخرى.

البحر 24 – طنجة

 

شاهد أيضاً

الصيد غير القانوني: تهديد للمخزون الوطني وأمن الغذاء البحري

يواجه قطاع الصيد البحري بالمغرب، رغم كونه ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني ومصدراً رئيسياً للتصدير والتشغيل، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *