ميناء القصر الصغير، ذلك الشريط الساحلي القريب من أكبر منصة لوجستيكية في إفريقيا، ميناء طنجة المتوسط، يعيش على وقع مفارقة لافتة تكشف حجم التفاوتات في السياسات المينائية، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول موقع هذا المرفأ الصغير في خريطة الاهتمامات الاستراتيجية للوكالة الوطنية للموانئ. فبينما تواصل المشاريع الكبرى تسابق الزمن في فضاءات طنجة المتوسط، وتُضخ الاستثمارات بمليارات الدراهم لتطوير البنية التحتية وتحسين مؤشرات الربط البحري والتجاري، يُترك ميناء القصر الصغير في حالة من التهميش، يعيش على فتات الاهتمام، ويعاني من ظروف أقل ما يُقال عنها إنها قاسية، سواء على مستوى بنيته التحتية أو على مستوى أوضاع البحارة الذين يشكلون العمود الفقري للحياة فيه.
منذ سنوات، يئن هذا الميناء تحت وطأة الإهمال، حيث لا تتوفر فيه أبسط التجهيزات التي تليق بمرفق مينائي يؤطر نشاط الصيد التقليدي، ويخدم شريحة واسعة من الصيادين الذين لا يملكون بديلاً سوى خوض غمار البحر من أجل لقمة العيش.
هؤلاء البحارة، الذين يشكلون العصب الحي لهذا الميناء، يشتكون من غياب الدعم والتأطير، وتدني الخدمات الأساسية، وتدهور الأرصفة، وسوء تنظيم الفضاءات، وغياب الولوج السلس إلى التجهيزات الضرورية، ما يجعل من كل يوم عمل معاناة حقيقية تبدأ من الإبحار في ظروف صعبة، وتنتهي بتفريغ المحصول في فضاءات لا تليق حتى بأسواق شعبية مهجورة.
الوكالة الوطنية للموانئ، التي ترفع شعار تطوير الموانئ وتعزيز الجاذبية الاقتصادية لمرافق البحر، تبدو وكأنها تغض الطرف عن هذا الميناء، أو تعتبره مجرد نقطة هامشية في إستراتيجية كبرى لا مكان فيها لما هو تقليدي أو محدود الموارد.
غير أن الواقع يفرض اليوم مراجعة هذه النظرة، لأن ميناء القصر الصغير ليس فقط نقطة لتفريغ الأسماك، بل هو جزء من الذاكرة البحرية للمنطقة، ورافعة اجتماعية واقتصادية لأسر بأكملها، وهو كذلك نقطة ارتكاز جغرافية مهمة لقربه من واحد من أهم المراكز اللوجستيكية في القارة.
السؤال الذي يطرحه المهنيون اليوم بإلحاح هو: لماذا هذا الإقصاء غير المعلن؟ لماذا لا تشمل استراتيجيات الدعم والتحديث هذا الميناء الذي يمكن أن يتحول، بالقليل من العناية، إلى قطب مينائي محترم يربط بين الدينامية الكبرى لطنجة المتوسط ونشاط الصيد التقليدي الذي يُعتبر نشاطًا وطنيًا بامتياز؟
إن إنصاف بحارة القصر الصغير لم يعد ترفًا أو مطلبًا فئويًا، بل صار ضرورة تنموية وأخلاقية. فالميناء، في صورته الحالية، لا يعكس لا كرامة الصياد ولا إمكانيات الموقع الجغرافي، ولا يواكب التحولات التي تعرفها جهة طنجة تطوان الحسيمة على مستوى الرؤية الاقتصادية الكبرى.
هؤلاء البحارة لا يطلبون المستحيل، بل أبسط الحقوق: أرصفة آمنة، مرافق محترمة، تنظيم مهني حقيقي، واعتراف بمكانتهم داخل المنظومة المينائية الوطنية. إنهم لا يطالبون بنسخة طبق الأصل من طنجة المتوسط، ولكن فقط بنقطة ضوء تعيد لهم الأمل، وتُعيد للميناء الاعتبار الذي يستحقه.
فهل تلتفت الوكالة الوطنية للموانئ أخيرًا إلى ميناء القصر الصغير؟ هل تتحرّك لإنقاذه من الوضعية الرمادية التي يعيشها؟ أم أن القرب من طنجة المتوسط سيظل مجرد صدفة جغرافية لا تمنح الامتياز ولا تضمن الحد الأدنى من العناية؟ أسئلة باتت تؤرق مهنيي البحر، وتنتظر جوابًا عمليًا لا شعارات موسمية.
خاص-البحر24